Mittwoch, 4. Januar 2012

الشهيد أبوجعفر المقدسي

مُعَلِّمُ الفُرْسَا نِ فى بلاد الرافدين الأخ الشهيد بأذن الله( أبو جعفرالمقدسي)

مُعَلِّمُ الفُرْسَانِ



غايةٌ في الأخلاقِ وعَلَمٌ في الجهادِ، فهوَ مِنْ أجملِ النَّاسِ خُلُقَاً، وأَنداهُم صوتاً، وأشجعُهُم قلباً، وأقواهُم شكيمةً، وأحسنُهم فراسةً، وأوسعُهُم صَدْرَاً، وأجودُهُم يداً، وأحلمُهم طَبْعَاً.
صاحبُ الهمَّةِ العاليةِ، والنفسِ الأبَيَّةِ، مُسَدَّدُ القولِ والعملِ الطَّيبِ المحبوبِ، لا يُعْجِبُكَ شيءٌ مِنْ أمورِ الدِّينِ والدُّنيا إلا وهو فِيهِ رأسٌ، - فلا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ -، ذلكَ هو الأخُ الحبيبُ ” أبو جعفرٍ المقدسيُّ “.
والعالمُ لا يُعلَّمُ، والعارِفُ لا يُعرَّفُ، فمن عجائبِ الأمورِ أنْ يتَحدّثَ النَّكرةُ عن المعارفُ، وأنْ ينبريَ لوصفِ قممِ الجبالِ قيعانُ الأرضِ، وأنى لها هذا وهي تسمعُ بالشِّموخِ سَمعاً، فلا هي يوماً صعدتْ إليهِ وحاشا للقممِ أنْ تهبطَ أو تهوي.
ما ظننتُ يوماً - أيُّها الأحبةُ - أنَّي سَأَتَكَلَمُ عن هذا الأسدِ، أو أنَّي سأَصِفُهُ قطٌ، غيرَ أَنَّ جميلَ سِتْرِ اللهِ يفيضُ عليَّ، فَلَو أَنَّ للذّنُوبِ رائحة لزكمتِ الأنوفَ، فيا ربّ ستركَ وجميلَ عفوك.
أقولُ كنتُ دائماً وأبداً مقتنعٌ أنّي لن أودّع هذا الرّجل إنما هو من يودّعني، أولُ يومٍ رأيتُ هذا الأسدَ، كان في مخيِّم عينِ الحلوةِ بجنوبِ لبنانَ حيثُ أتى مع صديقٍ لنا، ولمْ يتكلمْ تقريباً، فرأيتُ صمتاً لَطالما حلمتُ أنَّ يكونَ خُلقي، ولما تكلَّمَ تحدرتْ مِنْهُ همومُ أُمةٍ تُشْعِرُ بأنَّ بركاناً يوشكُ أنْ ينفجرَ، وكان ساعتها يطلبُ طريقاً إلى أفغانستانَ غيرَ أنَّ اللهَ لمْ ييسرْ لهُ ذلكَ، فعادَ الرّجل إلى مكانهِ.
ومرتِ الأيامُ وتقلّبتُ بعدها في البلدانِ، وبعد حادثةِ الفلوجةِ الأولى وبينما أنا في زيارةٍ للشهداءِ - أعني حيَّ الشُّهداءِ - فإِذا بشابٍ جسيمٍ وسيمٍ يُقبِلُ عليََّ متهللاً والبسمةُ ملئَ وجهِهِ يحضنُنِي ويُقْبِّلُنِي، ثُمَّ ذكَّرَنِي بنفسهِ وعلى الفورِ تذكرتُهُ، وأقبلَ علينا الأخُ الحبيبُ والأريبُ ” أبو محمد اللبنانيُّ رَحِمَهُ اللهُ ” قائلاً: أتعرفانِ بعضاً؟ قلنا: نعم، مُنذ زمنٍ.
1
كان البطلُ يُكَلَّفُ بالمهامِ الخاصةِ جداً فشاركَ في عمليةٍ استهدفتِ الـ”CIA” في شارعِ المطارِ- أعني مطارَ بغدادَ -، ثُمَّ كُلِّفَ بالبَحْثِ عن هدفٍ أجنبيٍ لاصطيادهِ أسيراً، وما زالَ يجدُ في هذا ويجتهدُ حتى كلَّفَهُ أبو محمدٍ اللبنانيُّ بإمرةِ سريّةِ العملياتِ الخاصةِ، والتي قامتْ فيما بعدُ بالهجومِ على بيتٍ في حي المنصورِ بعد الفجرِ مباشرةً، حيثُ تمكّنَ الأبطالُ من أَسْرِ بريطانيٍ واحدٍ وأمريكيينِ اثنينِ، وقد حَكى لي أبو جعفرٍ فيما بعدُ تفاصيلَ تلكَ الغزوةِ، وكيفَ استغلوا انقطاعَ التيار الكهربائي وخروج أحدهم من البيت لتشغيل المولد الكهربائي الذي كان أبو جعفر أتخذَ منهُ ساتراً فما إن وصلَ إليهِ عدوّ اللهِ حتى عالجَهُ أبو جعفرٍ وأوثقهُ قيداً دون أنْ يشعرَ بهِ أحدٌ مِمّنْ كانوا داخلَ المنـزلِ ثُمَّ انطلق أفرادُ المجموعةِ بخفّةٍ عجيبةٍ وتدريبٍ راقٍ، كلٌ يعرفُ مكانَ اقتحامِهِ والغرفةَ المحددةَ لهُ كي يُطهرَها، وفي أقلِ مِنْ خمسِ دقائق انطلقتِِ المجموعةُ بصيدِها تاركةً الحسرةَََََََ في قلوبِ أسيادِهم، أما سببُ اختيارِ وقت انقطاع التيار الكهربائي فلهُ أسبابٌ كثيرةٌ، لكنَّ أهمَ شيءٍ هو أنَّ أعداءَ اللهِ كانوا لا يخرجونَ قط من المنـزلِ وكانتْ أبوابُهُ غايةَ في الإحكامِ وقد زادوها أبواباً حديديةً أُخرى، والعمليةُ لابُدَّ أن تتمَ بهدوءٍ؛ لأنَّ المنطقةَ مليئةٌ بالجماعاتِ الخاصةِ.
ثم مضتِ الأيامُ وبدأَ أبو جعفرٍ بتشكيلِ (قوةَ التدخلِ السريعِ ) وذلك بأمرٍ مِنَ القائدِ الشَّهيدِ والسَّيدِ الحبيبِ أبي مُصعب الزرقاوي [تقبّله الله وغفر له]،حيثُ كانَ ذلكَ قَبْلَ أحداثِ الفلوجةِ الثانيةِ، وكانت لهذهِ القوةِ أهدافٌ كثيرةٌ أهمّها:
- سدُّ أيَّ ثغرةٍ قد تنشأُ في نقاطِ الحمايةِ التي تحيطُ بالمدينةِ.
- دعمُ نقاط الضّعفِ حالَ المعاركِ وفقدانِ الرّجالِ.
- حمايةُ المدينةِ من أي إنـزال يتم خلف الخطوط، بحيث يكونُ مكانُ القوةِ في القلبِ.
2
فواصلَ هو وأخوهُ القائدُ الشَّهيدُ “أبو خُبيبٍ التركيُّ” العملَ ليلاً ونهاراً من أجلِ تشكيلِ هذهِ القوةِ، وقدْ تمَََََََََََّ ذلكَ في ظَرفٍ حسّاسٍ جدّاً، حيثُ كانَ القصفُ يطالُ أدنى تجمعٍ، فكانَ التَّدريبُ فَردياً (يُدرّبونَ واحداً واحداً)، ثم يتمُ جمعُ كلّ مجموعةٍ مع بعضٍ في بيتٍ من بيوتِ المدينةِ والتي أُعِدّتْ سلفاً في قلبِها.
ثم بَدأَ التناغمُ بينَ تلكَ البيوتِ بحيث تَشكلَ فريقُ عملٍ مترابطٍ على الرغمِ من تباعدِ الدَِّيارِ، وكما قلتُ لصدِّ أي إنـزالٍ قد تتعرضُّ إليهِ المدينة، وقدْ نفعَ اللهُ بهذهِ القوةِ نفعاً كبيراً إبانَ معارك الفلوجةِ الثانيةِ، حيثُ احتلَّ أعداءُ اللهِ مُستشفى الفلوجةِ العامَ، فقلتُ لأبي جعفرٍ: أشعرُ أنَّ نقطةَ (الجُغَيفِيِّ) ضعيفةٌ - وهو حيٌّ من أحياءِ الفلوجةِ - فادفعْ بمجموعةٍ إليهِ، وبالفعلِ انطلقَ أُسُودُ التَّوحيدِ إلى الجبهةِ وبينما هُم أثناءَ الطريقِ إذا بالعدو يندفعُ بقوةٍ من هذهِ النقطةِ وعلى طريقةِ رأسِ السَّهمِ، فانتشروا أمامهُ وقد أخذوا من بعضِ البيوتِ ساتراً، ثم شرعوا في فتحِ البيوتِ على بعضٍ فثقبوا الجدرانَ حتى أصبحَ أعضاءُ الفريقِ يتحرّكونَ من أولِ الخطِ إلى آخرهِ بحريةٍ، وبدأوا يتقدمونَ للنـزالِ ثلاثةً ثلاثة.
وكان أبو جعفرٍ في ذلك الوقتِ قد حُوصِرَ في حيِّ الأندلسِ مع أسد اللهِ القائدِ أبي صُهيبٍ اللبنانيِّ، والأسدِ المغوارِ أبي حفصٍ المقدسيِّ والذي كان شِبهُ مُعاقٍ؛ لأنَّهُ كان مُصاباً في رجِلهِ. وبدأَ أبو جعفرٍ وأصحابُهُ بحيِّ الأندلسِ معركةً من أشرسِ المعاركِ حتى أَنَّ أبا صهيبٍ أوشكَ أنْ يأسرَ طاقمَ دبّابةٍ أمريكيةٍ لوحدهِ غيرَ أنَّ الظرفَ والحالَ لمْ يشجعاهُ على ذلكَ.
ومن عجائبِ الأمورِ أنَّ الفريقَ الثلاثيَّ ” أبو جعفرٍ – أبو صهيبٍ – أبو حفصٍ ” اشتبكوا مع إحدى الهمراتِ من منـزلٍ كانوا فيهِ فدمّروها بالكاملِ وقتلوا مَنْ فيها ثم أصابَ أبو صهيبٍ بقاذفتهِ كبدَ مدرعةٍ كانتْ بالقربِ مِنْها، وفي ذلكَ الحين جاءتْ الدبّاباتِ إلى إخوانِهم من كلِّ حدبٍ وصوبٍ وحاصرتْ الفرعَ الذي كانَ فيهِ الإخوة واقتربتْ دبّابةٌ من البيتِ الذي هم فيهِ ثم وجهتْ مدفعَها ناحيةَ البيتِ واستعدَّ الإخوة للموت.
3
وإذا بديكٍ على سطحِ البيتِ يرفعُ رجلَهُ ويقفُ على الثانيةِ، ثم أخذَ يصيحُ، فو اللهِ - والقولُ لأبي جعفرٍ -: ” ما وقفَ عن صُياحهِ حتى لكأنَّّّّّ الأمريكانَ يسوقُهم ملكُ الموتِ! أخذوا يفرّونَ مِنْ الفرعِ بما فيهم الدبّابةُ التي كانتْ أمامَ بيتِنا حاملينَ قتلاهُم وجرحاهُم، فسجدنا للهِ شكراً “.
وبدأتْ بعضُ المعاركِ الجانِبيةِ إلا أنَّ حيَّ الأندلسِ يكادُ أن يكونَ الآنَ مسيطرٌ عليهِ من قبلِ الأمريكانِ؛ ولأنَّه أولُ الأحياءِ من جهةِ الجسرِ، وكذلكَ فهو الحيُّ الذي يوجدُ فيهِ السّوقُ، فهو من الأهميةِ بمكان بالنسبةِ لمنْ يريدُ السّيطرةَ على المدينةِ، وفي تلكَ الأثناءِ كانتْ بالجهةِ المقابلةِ في حيِّ نـزّال، وقدْ فقدَ الجميعُ القائِدَ أبا ناصرٍ الليبيَّ، فقلتُ: اللَّهُمَ أجرني في مصيبتي واخلفْ لي خيراً منها.
وأرادَ أبو جعفرٍ وأخواهُ العبورَ إلينا إلا أنَّ أبا حفصٍ المقدسيَّ رفضَ ذلكَ وقالَ: لا بُدَّ من عبورِ الشََّارعِ العامِ وهو ملغمٌ بالدبّاباتِ، وكانتْ نقطة عبورنا أمامَ الدبّابةِ لا تتجاوزُ المائةَ مترٍ.
وبينما هُمْ في صمتٍ يفكرونَ، فإذا بأبي جعفرٍ يقولُ لأبي حفصٍ: أتسمع!؟ قالَ: نعم، ولكن قلْ لي باللهِ عليكَ أنتَ ماذا تسمعُ؟، قال أبو جعفرٍ: أسمعُ صهيلَ خيولٍ، فقالَ أبو حفصٍ: واللهِ إني لأسمعُ وقعَ أقدامها على الأرضِ، وقطعوا الطريقَ ولم يطلِقْ العدو عليهم طلقةً واحدةً، فسبحانَ مَنْ أعمى عنْهُم العيونَ وسَتَرَهُم بسترهِ بعدما أسمعَهُم كرامتَهُ.
وفجأةً رأيتُ القائدَ أبي حفصٍ والقائدَ أبي صهيبٍ أمامي فسجدتُ للهِ شكراً، وقلت: سبحانَ الله فقدنا واحداً ورُزِقْنَا باثنينِ، وعلى الفور أُسْنِدَ إلى أبي جعفرٍ قيادةَ الجبهةَ الشَّرقيةَ، وأُسْنِدَ إلى أبي صهيبٍ قيادةَ الجبهةَ الغربيةَ، وأُسْنِدَ قَبْلَ ذلكَ قيادةَ المقدمةَ إلى أبي أحمدَ الأنصاريِّ.
4
وبعدَ طولِ معاركٍ وقَصفٍ عنيفٍ بكلِّ أنواع الأسلحة طالَ كلَّ شبرٍ من نقاطِ الجبهةِ اقتحمَ العدو الخطوطَ الأماميةَ في ليلةٍ سوداءَ مستخدماً المناظيرَ الليلية، وتسنِدُهُ في كلّ ذلك القاصفةُ (C130) جوّاً، حيث كانت تقصفُ كلَّ من يحاولُ التصدي، فكانوا يرونَنا ولا نَراهُم؛ لأنَّ طائراتَ الاستطلاعِ كانتْ تطيرُ بسمائِنَا بكثافةٍ إلى درجةِ أنَّهُ كانَتْ تُوجدُ لكلِّ دبّابةٍ طائرةُ استطلاعٍ صغيرةٍ جداً أمامها نسميها نحنُ ” النسر ” لشبَهِها بهِ.
اقتحم العدوُّ الجبهةَ وفي صباحِ اليومِ الثاني بَدأنا حربَ شوارعٍ ضروساً، وفي لحظةٍ مِنْ تلكَ اللحظاتِ حملَ القائدُ البطلُ أبو جعفرٍ قاذفةً وتقدمَ إلى وسطِ أحدِ الأفرعِ وبينما هو يسددُ إلى العدوِّ القاذفةَ، أمطرهُ عدوُ اللهِ بوابلٍ مِنْ مدفعِ دبّابةٍ (عيار 32 ملم).
فأُصيبَ عِضْدُ أبي جعفرٍ، فجاءَ إلينا متبسماً قائلاً: لم أتمكنْ للأسف من ضربِ القذيفة، وواللهِ ما تأوّهَ، وكشفنا ثيابهُ (عفواً مزّقناها)، وهالني منظرُ الضربةِ، كنتُ أستطيعُ أنْ أضعَ قبضةَ يدي في حفرةِ الجُرحِ!، فأغمضتُ عيني وتنحيتُ جانباً تاركاً لإخواني القيامَ بمعالجتهِ.
وأسدلَ الليلُ ستارَهُ، وأَطبقَ صمتٌ رهيبٌ على أماكنِ تجمّعاتِ الشّبابِ وتحجمتِ الحركةُ إلا ما شذَّ ونَدَرَ، وبدأَ الإخوة يضعونَ الحراساتِ، وبالطبعِ لم يضعوا أسمَ أبي جعفرٍ، فقالَ: واللهِ لا أشكو شيئاً، أستطيعُ أنْ أحملَ السلاحَ بيدٍ واحدةٍ، ثم قالَ: انظروا وكذلكَ أُسَدِدُ. وكانَ أبو جعفرٍ مفتولَ العضلاتِ وحَبَاهُ اللهُ بوافرٍ من الصّحةِ تماماً كوفرةِ أخلاقهِ وشجاعتهِ.
فتعجبتُ - يعلمُ اللهُ - من عزيمتهِ وقوّةِ بأسهِ وشكيمتهِ لنفسهِ وعدوّهِ ومصابرتِهِ الآلامَ كما هي الأحزان، وفي تلكَ الليلةِ كانتْ حراستي معهُ، وأشهدُ باللهِ أنَّه كانَ لا يدعني أخرجُ إلى الطريقِ لأتحسسَ أيَّ صوتٍ غريبٍ أو إنارةٍ شاردةٍ، بل كان يحميني بنفسهِِِِِِِ ويَعزُ عليَّ ذلكَ، على الرّغمِ من مرورِ ساعاتٍ قليلةٍ على جرحٍ ثقيلٍ، وسبحانَ الله، لم يكنْ عندنا بالطبعِ دواءٌ ولا غيرهُ إلا أننا وجدْنَا في بعضِ البيوتِ بقايا عسلِ نحلٍ، فجعلَ أحدُ الإخوة (وهو الأخُ الدكتورُ أبو الغاديةِ) ينظّفُ جرحَهُ ويضعُ عليهِ قليلاً جداً من العسلِ، واستمرَ العلاجُ لمدةِ أسبوعينِ، بعدها فوجئ الجميعُ أن أبا جعفرٍ برئَ من جرحِهِ!، بل واللهِ رأيتُ لحمَ عضدهِ ينمو مكانَ الجرحِ بصفةٍ يوميةٍ ملحوظةٍ، حتى ليُخَيَّلُ إليكَ كأنَّ أحداً يأتي بقطعِ اللحمِ ويضعها في الجرحِ الغائرِ، والذي يحتاجُ إلى أشهرٍ طويلةٍ، ولكن التأمَ في أيامٍ قليلةٍ – فسبحانَ الله -.
5
ومضتِ المعركةُ وبدأتِ الأحزانُ تهبطُ علينا وكان أبو جعفرٍ لا يعرفُ الحزنَ وليس له بصاحبٍ، بل هو المبتسمُ دائماً، يزيلُ الهمّ بمجردِ رؤيتهِ. ومضتِ المعاركُ قويّةٌ ضروسٌ وانتشرَ الإخوة في مجموعاتٍ قتاليةٍ، وأنحازَ أبو جعفرٍ مع مجموعةٍ ولكنهم حوصروا من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، وتفرقَ الإخوة في البيوتِ وأرادَ أبو جعفرٍ أن يلحقَ ببعضِ إخوانهِ، بينما هو أفلتَ بأعجوبةٍ من قصفِ بيتٍ خرجَ منهُ كأنَّهُ لتوهِ خرجَ من القبرِ، وقد وجدَ أمامهُ ممرّاً صغيراً بين بيتينِ، فاندفعَ فيهِ ولما توسطَ الممرَ إذا بجنديٍ أمريكيٍ يُصَوّبُ رشاشهُ من سطحِ البيتِ (STOP) قفْ- قفْ، فتوقفَ الأسدُ ونظرَ فوقهُ فإذا بعدوّ اللهِ يُصَوّبُ عليهِ رشاشهُ، وبخفةِ البرقِ استلقى على ظهرهِ ثم أمطرَ عدوَّ اللهِ بوابلٍ مِنْ رشاشهِ فوقع على ظهرهِ، ثم أندفعَ أبو جعفر بسرعةِ البرقِ إلى داخلِ البيتِ ولا يدري أبو جعفر إن كان قُتِلَ عدوُ اللهِ أم لا. وفي داخلِ البيتِ وجدَ مجموعةً من الإخوة بينهم الأخُ محمد جاسم العيساويُّ، وإذا بالبيتِ يُحَاصرُ من كلِّ مكانٍ، وتنطلقُ مكبراتُ الصَّوتِ أنْ سلّموا أنفسَكم أنتم محاصرونَ من كلِّ مكانٍ لا مفرَ، هيا اخرجوا.
6
ولم يخرجْ الإخوة، وبعد ثواني معدودةٍ أُمْطِرَ البيتُ بوابلٍ من مِدفعِ (البكتا)، ثم قذائف الدبّابةِ حتى لم يبقَ على ظنّهم ذو نفسٍ إلا وقَضَى، واقتحمَ عُبَّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّادُ الصَّليبِ البيتَ ثم دخلوا إلى أحدى الغرفِ فوجدوا الأبطالَ بانتظارهم، حيث أمطروهم بوابلٍ رشاشاتِهم، فخرجَ عُبَّادُ الصَّليبِ يهرعونَ تاركينَ ورائهم ثلاثةً من القتلى غيرَ ما سحبوهُ من الجرحى، وعندها بدأتِ المدفعيةُ تدكُّ البيتَ من كلِّ جانبٍ واستمروا على ذلكَ فترةً يرمونَ البيتَ بكلِّ ما يستطيعونَ، ولما اطمأنّوا أنَّهُ لا يمكنُ يقيناً أن يَبقى أحداً حيّاً دخلوا إلى البيتِ على وجلٍ، وإذا بليوثِ الجهادِ يمطرونهم بوابلٍ من الرصاصِ، لكن هذه المرة مِنْ سائرِ الغرفِ ومن الطابق العلويِّ (عفواً بقايا الطّابق العلوي). وهرولَ عُبَّادُ الصَّليبِ تاركينَ عدداً من القتلى مع ما بِهِم من الجرحى، ثم أخذوا يقصفونَ البيتَ مرةً أخرى من كلِّ حدبٍ وصوبٍ ولما اطمأنّوا أيضاً إلى النتيجةِ الحتميةِ لهذا الركامِ من الترابِ وإنَّهُ حتماً لا أحياءَ احتاطوا في هذه المرة فجاءوا من أعلى (أي من السّطحِ)، وبدأوا بإلقاءِ القنابل بكثرةٍ داخلَ سطحِ البيتِ وفي الغرفِ، فوقعتْ إحدى القنابل بين يدي محمد جاسم، ففقدَ بصرهُ في الحالِ، ووقعتْ أخرى بين قدمي الشهيد الأسد ” سامي الشرجيّ ” فقطعتْ قدماهُ، ورأى أبو جعفر المنظرَ فخرجَ إلى عُبَّادِ الصَّليبِ يصليهِم برشاشهِ، ولكنَّهُ ولمزيدِ البلاءِ توقفَ رشاشهُ فجأةً وحشرتْ فيه إطلاقةٌ، وكان أبو جعفر على خلافِ الإخوة يحملُ (M16 أمريكي) بينما عامّة المجاهدينَ سلاحهُم (الكلاشنكوف الرّوسي)، وسَمِعَ محمد جاسم أنّ سلاحَ أبو جعفر قدْ توقفَ، فتحسسَ سلاحهُ ونادى أبا جعفرٍ أن خُذْ سلاحي ولا تجعلهم يقتربونَ منّا فإني لا أرى شيئاً، فتناولَ الأسدُ سلاحَ أخيهِ وبدأَ يسطرُ ملحمةَ البطولةِ ومازالَ بهم حتى ردّهم عن البيتِ!، ثم رفعَ أبو جعفر قدما سامي الشّرجي إلى بعض الرّكامِ.
وبدأتِ الدماءُ تنهارُ غزيرةً من الأَخَوَيْنِ وبدأتِ الدّموعُ معهم أغزرُ وأشدُ، فلمْ يطقْ الأسدُ المنظرَ فأخذَ رشاشهُ واقتحمَ على العدوِ خارجَ المنـزلِ وبينما هو ينقضُ عليهم كالأسدِ إذا برصاصِ العدوِ ينهالُ عليهِ، فألقى بنفسهِ بخفةٍ شديدة ٍوكأنَّ ملكاً رفعهُ إلى الجانبِ الآخرِ من الطريقِ! ودخلَ أحدَ البيوتِ، إلا أنَّ أعداءَ اللهِ تركوهُ ولم يدخلوا عليه واكتفوا بعدةِ قذائف أصابتِ البيتَ ودمرتْ واجهتهُ وحطتْ ما فيهِ إلا أنها كانتْ برداً وسلاماً على أبي جعفر.
استمرتْ معركةُ البيتِ سابقِ الذكرِ من التاسعةِ صباحاً إلى الرابعةِ عصراً، وقد كنتُ على مقربةٍ من البيتِ على بعد نحو خمسينَ متراً أسمعُ هذا الاشتباكَ ومعي بعضُ الإخوة، إلا أني لا أفهمُ ما يدورُ حتى عرفتُ ذلكَ بعد من أخي؛ وذلك لظروفِ القتالِ والاشتباكِ والذي كان يدورُ من بيتٍ لبيتٍ ومع كلِّ مجموعةٍ على حدة.
نامَ أبو جعفرٍ في تلكَ الليلةِ مع أخٍ آخرَ كانَ معهُ، كلاهما أقعدتهما الجروحُ، فقد أُصيبَ أبو جعفرٍ في أكثرِ من عشرةِ مواضع بالقدمِ والكتفِ وبالقربِ من أماكنَ خطيرةٍ منها القلب و… ، وقد عالجتهُ بنفسي من هذه الجروحِ، عفواً كنت فحسب أمسحُ ما يخرجُ منها من صديدٍ، ونضعُ عليها بعضَ الملابسِ النظيفةِ يومياً، وهذا كان تضميده!.
7
يقولُ الشَّهيدُ [نحسبه كذلك]: أردتُ في منتصفِ الليلِ أنْ أذهبَ إلى الخلاءِ وبينما أنا أَهِمُّ بالجلوسِ لحاجتي سقطتُ وقد أُغميَ عليَّ وما يشعرُ بيَّ صاحبي لشدةِ آلامهِ أيضاً، ثم فُقْتُ بعدَ نحو ساعتينِ، وما هو إلا قليلٌ حتى أغميَ عليَّ أيضاً ثم فقتُ وزحفتُ إلى صاحبي وبينما نحنُ في شدةِ الآلامِ وضراوةِ الجروحِ، قلت لهُ: لا بُدَّ أنْ نغادرَ هذا البيتَ وهذا الفرعَ إلى الفرعِ المقابل، قال: فتحملنا حتى دخلنا إلى بيتٍ آخرَ.
وبدأنا نشعرُ بعطشٍ شديدٍ أنا وصاحبي، وعبثاً فتّشنا عن ماءٍ لنشربهُ فلم نجدْ، فنمتُ وصاحبي ننتظرُ الموتَ وما شككنا في رحمةِ ربِّ العالمينَ، وفجأة استيقظنا من النومِ فإذا (بقربةِ ماءٍ!) ليستْ معلومةً لنا كما إنَّها لا تستخدمُ للشربِ (في هذهِ المنطقةِ) فأسرعنا إليها وشرِبْنَا منها، فما شككنا أنَّها من اللهِ وأنَّها من السّماءِ.
قال: ونظرنا غيرَ بعيدٍ فإذا ببطيخةٍ طازجةٍ كأنَّها لتوّها قد جيءَ بها من الزّرعِ تلمعُ بخضارها ونضارتِها!، فأسرعنا إليها حبواً وفتحناها، يقول أبو جعفر: فو اللهِ ما ذقتُ قط أطيبَ ولا أجملَ، ولا يمكنُ أنْ أصفَ حلاوتَها وطيبَ مذاقِها، وكذلك ما شككنا أنها من الله. إذ أنّ الوقتَ ليس وقتُ حصادِ البطيخِ وأنى للبطيخِ الآنَ؟، وحتى لو كان ذلك متى جاءتْ إلى هنا وقد مضى شهرٌ ونصف على خروجِ كلِّ العوائلِ وهذه خضراءُ يانعةٌ!؟، فحمدوا اللهَ وسجدوا لهُ شكراً وبقوا على رعايةِ الله المنّانِ.
وفي تلك الأثناءِ كان الأخُ أبو الربيعِ - فكَ اللهُ أسرهُ - قد جمعَ ثلاثةً من الشّبابِ على رأسهم الشَّهيدُ أبو الزبيرِ وقال: هيا نبحثُ عن إخوتنا، هيا نفتش المدينة بيتاً بيتاً، نجمعُ الإخوة ونساعدُ الجرحى ولعل اللهَ يجمعنا بأبي الغادية وأبي جعفرٍ وفلان (يعني العبدَ الفقيرَ).
8
وبدؤوا رحلةَ البحثِ ومضى اليومُ الأولُ بتعبهِ وكثرةِ مخاطرهِ، ولم يعثروا على أحدٍ، ثم استأنفوا البحثَ في صباحِ اليوم الثاني، وبينما هم دلفوا إلى ساحة أحدِ المنازلِ وكعادتِهم إذا دخلوا أيَّ منـزلٍ سلّموا على من فيهِ بسرعةٍ ثم صاحوا بأسماءِ الثّلاثةِ المعنيينَ؛ ولأنَّ الجميعَ يعرفُهم فهو أجدى لخروجِ الإخوة إذا سمعوا من يذكرُ أسمائَهم. وبالفعلِ عثروا على أبي جعفر في كنفِ اللهِ يأكلُ البطيخَ ويشربُ من فضلِ اللهِ، وفي نفسِ اليومِ عثروا عليَّ وعلى باقي الإخوة؛ إذ كنا قد اجتمعنا جميعاً في منطقةٍ واحدةٍ أعني- نحنُ أصحابُ “حي نـز ال”-، وبالفعل تمَّ تقسيمُ الإخوة إلى مجموعاتٍ مرةً أخرى وكان نصيبُ أبي جعفرٍ معي وفي مكانٍ ما (اللهُ به عليمٌ) بدأَ أبو جعفر رحلةً أخرى، بدأ يحفظُ كتابَ اللهِ فتعجبتُ من سرعةِ حفظهِ؛ إذ كان يحفظُ بسهولةٍ نصفَ جزءٍ في اليومِ! وفي وقتٍ قصيرٍ! وكانَ يسمِّعني يومياً، وأحياناً يزيد ربعاً أو ربعينِ.
9
ولا أُطيلُ عليكم فقدْ مضتْ أيامُ الفلوجةِ بحلوِها ومرِّها، واستقرَ المقامُ بأبي جعفرٍ في المنطقةِ الغربيةِ التي يسيطرُ عليها مجاهدو القاعدةِ حيثُ حرّروها مدينةً مدينةً، وكانتْ منها القائمُ (محطةُ العبورِ) كما كانَ يحلو للأمريكانِ تسميتها، فشنَ العدوُ هُجوماً عليها أسماهُ عمليةَ (قرنِ الثورِ) وأراد أن يخرق بالقرنِ سياجاً من صلابة الإيمانِ بمكان، فردَّ اللهُ كيدَهُ في نحرهِ، وكان أبو جعفر آنذاك مَسْؤُولَ الإخوة العسكري، فأمرَ بإخراجِ الإخوة من منافذَ أُعِدتْ سلفاً لذلك، وبقى هو في قلّةٍ قليلةٍ يقاتلُ حتى الموت؛ حتى لا يأخذُ أعداءُ اللهِ المدينةَ لقمةً سائغةً، ومرتْ أيامُ الحربِ وفي كلِّ يومٍ يزدادُ العدوُّ خسارةً وانكساراً، ويزدادُ الإخوة في أسبابِ السَّماءِ، وفي لحظةٍ من لحظاتِ الضِّيقِ وقسوتهِ، اجتمعَ جندُ الإيمانِ واستشاروا أبا جعفرٍ في تركِ المدينة، فكان قوله ” والله ثم والله ساعاتٌ ويولي العدو الدُّبُر “، وكان ذلك يومُ الجمعةِ، وبالفعلِ أرادَ العدوُ أن يقتحمَ نقطةً مهمةً فانفجرتْ دبّابةٌ لهُ، بفعل لغمينِ وضعا على نغمةٍ واحدةٍِِِِِِِِِِِِ في نفسِ المكانِ إلا أنَّ عبوةً واحدةً فقطْ انفجرتْ وأصابتْ هدفها وظنَّ الإخوة أن العبوتينِ انفجرَتا، ولما جاءتْ الدبّابةُ الثانيةُ؛ لحملِ جثثِ وأشلاءِ أُخْتِها المتناثرةِ الخائبةِ الخاسرةِ، عبثَ أحدُ الإخوة بجهازِ التفجيرِ مازحاً مع من بجوارهِ، فقال: أضغطُ؟، (يمكن يا ولد عندي كرامة)، فضَحِكَ الجميعُ، وضغط فإذا بالكرامةِ تنطلقُ لتفجيرِ العبوةِ الثانيةِ بدقّةٍ في قلبِ الدبّابةِ!، فهللَ الإخوة وكبّروا، وتركَ العدوُ أشلائَهُ وانصرفَ، وظن الإخوة أنَّه سيعاودُ الدخولَ مِنْ مكانٍ آخرَ، وباتوا ليلتهم وهم راغبونَ إلى اللهِ وطامعونَ في فضلهِ، وفي الصَّباحِ نَظَرَ الإخوة فإذا بالعدوّ ينسحبُ تاركاً بعضَ أغراضهِ وأشلائهِ، معلناً للعالمِ أنَّ عمليةَ رأسِ الثَّورِ أو قرنِ الثَّور (نجحتْ وحققتْ أهدافَها!).
فعَجِبَ القائدُ وجنودهُ من لطفِ اللهِ ورحمتهِ وتوفيقهِ بالنَّصرِ، وكيفَ يأتي اللهُ بهِ لأسبابٍ لا يعرفُها البشرُ ورأوا كرامةَ ذلكَ، وهل تعجبُ أكثرُ يا أخي؟ عندما تعرفُ أنَّ عددَ من قاتلَ مع أبي جعفرٍ لا يزيدُ على (خمسةَ عشرَ نفراً!)، بقوا فقطْ ليموتوا وطلباً للشهادةِ ونكايةً في العدوّ، فأرادوا أمراً وأرادَ اللهُ لهذهِ القلوبِ والنِّفوسِ أمراً آخرَ، أرادَ لهُم العزةَ وفرحةَ النَّصرِ، وواللهِ ما أخطأتِ الشهادةُ أحدَهم بعد ذلك فإنا للهِ وإنا إليه راجعون، ومضتِ القافلةُ.
وفي يوم من الأيامِ وصلتْ إلى القائدِ أبي جعفر رسالةً من أخيهِ الإمام أبي مصعبٍ الزرقاوي [تقبّله الله وغفرَ له] يأمرهُ فيها بإعدادِ وتدريبِ عددٍ من الإخوة إعداداً شاقاً وأنْ يختارَ من الإخوة خيرِهم خُلُقاً وديناً وجسماً وذلك لمهمةٍ خاصةٍ، يقومُ بتقسيمها لمجموعاتٍ صغيرة ٍكل مجموعةٍ مكونةٍ من خمسةِ أشخاصٍ عليهم أميرٌ، وأَمَرَهُ بأنواعٍ معينةٍ من التدريباتِ كتسلقِ الجدرانِ وعبورِ الحواجزِ المائيةِ وغير ذلكَ، فانخرطَ الأخُ في إعدادِ للإخوةِ متواصلٍ بلا كللٍ أو مللٍ، وفي سريةٍ تامةٍ، وكانتْ هذه هي مجاميعُ اقتحامِ سجنِ أبي غريب – فرضي اللهُ عن أبي جعفر وإخوانهِ -، ثم أُنيطَ للقائدِ تشكيلِ قوّةٍ خاصةٍ مهمّتها عملياتُ الخطفِ للأجانبِ وخاصةً أعداءَ اللهِ المحتلينَ منهم.
ثم بدا لأسدِ الرافدينِ أنْ يؤثرَ نفسهَ بالقائدِ أبي جعفر؛ ليكونَ رفيقهُ في حلِّهِ وترحالهِ ونومهِ وقيامهِ، ورسولهُ إلى المناطقِ ومستشارهُ العسكريُّ وحتى الإعلامي، وبدأتْ مع القائدِ رحلةٌ شاقةٌ لا يعرفُ صعوبتَها إلا من يعرفُ كيف كان يعيشُ أسدُ الرافدينِ أبو مصعبٍ.
10
وبدأتْ الأيامُ تمرُ، وفي مرةٍ قابلتُ أبا جعفر فوجدتُ الإجهادَ واضحاً عليهِ، قلتُ: ما لكَ؟ قالَ: واللهَ لو كلّفني الشيخُ بهدِّ جيشٍ من الأعداءِ ما تعاجزتُ بحولِ اللهِ، أما مسؤوليةُ حمايتِهِ ومرافقتِهِ، فهي واللهِ المسؤوليةُ، وتلك واللهِ الأعباءُ التي تنوءُ منها الجبالُ، يا أخي، الشيخُ رجلُ أُمّةٍ لو حدثَ لهُ مكروهٌ ماذا أقولُ لربي؟.
ومضتِ القافلةُ، ومضى أبو جعفر يتقدّمها بجوارِ أخيه أبي مصعبٍ، وفي كلِّ يومٍ تنـزلُ عليهم الأتراحُ والأفراحُ، هنا خبرُ استشهادِ أخٍ، وهناكَ تدميرُ دبّابةٍ، وهكذا كانت حياةُ الرجلينِ لا يعرفانِ النّومَ، فقد كان أبو مصعبٍ لا يعرفُ النّومَ تقريباً؛ مذاكرةً لرسائلِ الإخوة وشؤونهِم، حتى إذا أصبحَ الصَّباحُ جاءتُ تعليماتهُ للأُسُودِ في أنحاءِ البلادِ.
ولقدْ شاهدَ العالمُ بأسرهِ ذلك الشَّابَ المتينَ وهو يجلسُ بجوارِ الشَّيخِ (الثاني من جهةِ اليمينِ)، في شريطِ الشَّيخِ المصوَّرِ الأخيرِ، وعلَّقَ الأمريكانُ كثيراً لما بادرَ أبو جعفر بشدِ أجزاءِ سلاحِ الشََّّيخِ، كعادتهِ في مساعدةِ الشَّيخِ في كلِّ شيءٍ: طعامهُ، وشرابهُ، ولباسهُ، ونومه، وقد كان الشَّيخُ - رحمهُ اللهُ - ينوي تزويجهُ ابنتَهُ وصرَّحَ بذلك لأحدَ الإخوة، وأنا نفسي كنتُ قد طلبتَها منهُ لأبي جعفرٍ، فقالَ: ” واللهِ ما أعرفُ بأبي جعفر عيباً ولم أرى لابنتي مثلَهُ أو شبيهاً، لكن صبراً قليلاً حتى أطمئنّ أنها تصلحُ للزّواجِ، ثم هي لهُ إن وافقتْ بحولِ اللهِ وقوّتهِ، وما أظنها إلا لهُ “.
ومضتِ القافلةُ، ولكنَّها هذه المرّةُ مضتْ إلى رحلةِ السََّعادةِ والطَّهارةِ والنّقاءِ والبهاءِ، مضت إلى الدَّارِ التي لا أتراحَ فيها ولا هموم ولا آلام، مضت إلى رضىً من اللهِ ورضوانٍ - نحسبهُم -، مضت إلى النعيمِ المقيمِ والعزِّ الأبديِّ إلى الجاهِ والسلطانِ الحقيقيِّ، مضتْ فجأةً بِلا سابقِ إنذارٍ، وهكذا تلك الرِّحلةُ على وجهِ الخصوصِ، مضت وما صدَّقَ أحدٌ أنَّهم مضوا، مضتْ القافلة وهي في أمسِ الشَّوقِ للرّاحةِ من العناءِ، لكنَّها يعلمُ اللهُ مضتْ بعدما أرستْ قواعدَ وأعلنتْ بنياناً وسطّرتْ عِزَّاً ورسمتْ بسمةً، مضتْ بعدما قَسَّمَتْ الناسَ فريقينِ: فريقُ إيمانٍ لا نفاقَ فيهِ، وفريقَ كُفْرٍ لا إيمانَ فيهِ، مضتْ بعدما أماطتْ لثاماً وسطّرتْ بدمائِها تاريخاً.

وكتبه:


أبو اسماعيل المهاجر
روابط شبكة انصار المجاهدين

http://as-ansar.com/vb - رابط مباشر
http://as-ansar.org/vb - رابط مباشر 2
https://as-ansar.com/vb - رابط مباشر مشفر
https://as-ansar.org/vb - رابط مباشر مشفر 2
http://202.71.103.132/vb - رابط رقمي
https://202.71.103.132/vb - رابط رقمي مشفر
http://www.ansar1.info/ - رابط مباشر للمنتدى الانجليزي
https://www.ansar1.info/ - رابط مباشر مشفر للمنتدى الانجليزي

روابط شبكة الشموخ الاسلامية
http://www.shamikh1.info/vb - رابط مباشر
https://www.shamikh1.info/vb - رابط مباشر مشفر

روابط شبكة الفداء الاسلامية
http://www.alfidaa.info/vb - رابط مباشر
https://www.alfidaa.info/vb - رابط مباشر مشفر
http://www.alfidaa.org/vb - رابط مباشر 2
https://www.alfidaa.org/vb - رابط مباشر مشفر 2

روابط موقع التوحيد والجهاد
http://www.tawhed.ws - رابط مباشر
http://alsunnah.info  - رابط مباشر
http://almaqdese.net - رابط مباشر
http://abu-qatada.com - رابط مباشر
http://mtj.tw - رابط مباشر
http://tawhed.net - رابط مباشر


روابط موقع ارشيف الجهاد
http://jarchive.net - رابط مباشر
https://jarchive.net - رابط مباشر مشفر